هكذا كانت رسائل الزمن الجميل
قبل ظهور الهواتف الذكيّة ومواقع التواصل الاجتماعي كانت الرّسائل الورقيّة وسيلة عائلتي الصغيرة للتعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا في الأعياد والمناسبات. لكنّ هذه الرسالة الدافئة التي فاجأتني بها أمّي ذات مساء ربيعيّ بارد من سنة 1996 كانت مناسبتها استثنائية وغير معتادة جعلتني أندهش أمام درسين عظيمين: 1- لا يحتاج التعبير عن الحب إلى المناسبات فالحب هو المناسبة الدّائمة. 2- يمكن لحدثٍ يوميّ بسيط كقصَّةِ شَعرٍ أن يتحوّل إلى حدث جدير بالكتابة.
كنت طفلا أتلمّس خطواتي الأولى في الكتابة حين مدّت يدها إليّ بالورقة وهي تتفحص ملامحي بنظرات خجولة وابتسامة مشحونة ببراءة الأطفال وشقاوتهم، ولم تكن تعلم أيّة شعلةٍ أَوْقَدَت كلماتها في قلبي وخيالي، وكيف صارت رسالتها مصدر إلهامٍ لكتابة نصوص كثيرة.
بعد أربع وعشرين سنة مازلتُ أحتفظ بالرّسالة كثروَةٍ ورّثها الطفل الذي كُنتُهُ إلى الطفل الذّي صرتُهُ، وأردتُ اليوم أن أهدي هذه الصورة إلى أميّ بمناسبة عيد ميلادها وأقول لها: أمّي التحفونة إنّ ذلك الشعر الأشقر وإن صار إلى بياض فلم يمسَسهُ شيء سوى أنّ ثلجا ربيعيّا عانق حقول عباد الشمس، ومازال في نظري الشعر ذاته لتلك الفتاة العبقرية المرحة التي كَبُرتْ معي.
أمّي التحفونة، عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنت عظيمة وأرجو ألاّ أكون قد خذلتُ أحلامك وأمانيك...
ابنك الذي عاش يحبك وسيظلّ إلى ما لا نهاية.
تعليقات
إرسال تعليق